لأن التجربة خير برهان والمثل العامي يقول (اسأل مجرب ولا تسأل طبيب)، فلعلي هنا أسلط الضوء في هذا المقال على مجموعة من فلذات أكبادنا التي حولتهم أدوات التجنيد والتغرير إلى مناطق الصراع الدولية بحجة الجهاد مع ثلاثة من أبرز منظريهم من أجل أن يأخذ شبابنا العبرة والعظة، والعاقل من اتعظ بغيره فتكون له حصانة فكرية من الوقوع في خطر المستهدفين لأغلى ما نملكه ثروتنا الحقيقية شباب الأمة ومستقبل الوطن ونستفيد من تجربة الجماعات الإسلامية في مصر التي وصلت في نهاية الأمر إلى نتيجة حتمية أن هذا الطريق مسدود ونفق مظلم فعادوا وأعلنوا توبتهم وتراجعوا في كتاب (نهر الذكريات) لأكرم زهدي ومعه مجموعة العائدين، فقد ذكروا خلاصة تجربتهم فيه ولما للمراجعات الفكرية لتيارات الغلو المعاصر من دور في تصحيح المفاهيم والمنطلقات والمغالطات التي قامت عليها تيارات الغلو المعاصرة، وأثر هذه المراجعات في تحقيق الأمن الفكري حيث يقول أحمد الشايع أحد ضحايا الاستدراج بحجة الجهاد في العراق في مراجعاته الفكرية السابقة. كنت قد ذهبت إلى العراق بقصد الجهاد وقتال المحتلين للعراق حسب ما كان تفكيري في ذلك الوقت فكان أن طلب مني أمير مجموعتي (أبو عبدالرحمن) أن أقوم بتوصيل صهريج وقود إلى مكان يقع في حي المنصور السكني في بغداد حدده لي في رسم كروكي فذكرت له أني لا أعرف قيادة السيارات الثقيلة فذكر لي أنه سهل القيادة، وصراحة كان هذا العمل الذي يعتبر أول «واجب» طلبوا مني أن أقوم به منذ دخولي إلى العراق كان مريباً جداً فكيف إذن يطلب مني إيصاله وأنا لا أعرف قيادة السيارات الثقيلة. ثانياً يستطيع هو أو أي شخص عراقي آخر في التنظيم توصيل الصهريج لهيئته ومعرفته بالطرق ولكن لم أستطع أن أرفض العمل لخوفي أن يقتلوني فأنا منذ أن دخلت العراق وأنا أراهم يعاملوننا بطريقة مريبة ولم يدربوني على السلاح للمشاركة في القتال، ولكن كعادتنا نحن السعوديين بطيبتنا الزائدة وإحساننا الظن كل من أتى إلينا عن طريق الدين فقلت في نفسي أنا أراهم يصلون ويصومون فهم مسلمون ومجاهدون فكيف يقتلونني أو يتسببون في أذيتي فقبلت بذلك وطلبوا أن أقوم بتوصيله في الساعة التاسعة مساء، وعندما أتى الموعد المحدد ركبنا في الصهريج فقد كان طويلاً جداً ثم طلب مني السائق أن أقود الصهريج عن طريق التجربة فحاولت إلى أن تعلمت عليه ذهبنا بعدها إلى الشارع المراد أن أستلم فيه الصهريج وهو شرع المنصور العام ثم أوقفوا الصهريج ونزلوا منه ثم ذهبوا بسيارة أخرى فلما أصبحت لوحدي فكرت بالهرب ولكن إلى أين؟ فلا أعرف أحداً غيرهم، توكلت على الله وأحسنت النية وذهبت إلى ما طلبوا مني ثم انعطفت إلى اليمين إلى شارع الأميرات لمسافة 500 متر وعندما وصلت المكان الذي يجب أن أقف فيه انفجر الصهريج فجأة وقد كنت أرى النار وهي مشتعلة فكان بالنسبة لي كابوساً فلم أكن أصدق ما أرى من هول الموقف فكانت حصيلة هذا الانفجار اثنا عشر شخصاً من القتلى وعشرات الجرحى من الأبرياء الذين لا ذنب لهم.
* من الذي شجعك للذهاب إلى العراق؟ وماذا قلت لأسرتك؟
- كانت البداية عندما أتى إلي صديق قديم كنت لم أره منذ سنوات وبعد عدة لقاءات عادية بيننا بدأ بالتحدث عن موضوع الجهاد وبدأ يسرد الأحاديث والآيات الدالة على كلامه كما أعطاني عدة أشرطة تضمنت أفلاماً جهادية وقد أحضر هو شخصياً فتوى لا أذكر من كتبها تجيز الخروج إلى الجهاد حسبما تقول بدون إذن الوالدين أو ولي الأمر.
* هل هناك سعوديون أو عرب في العراق وكيف هي أفكارهم؟
- نعم يوجد الكثير من السعوديين والعرب في العراق. أما أفكارهم أعتقد أنها أكثر من مظلمة فمن يكفر العلماء والحكام المسلمين بغير دليل ولا برهان كيف نقبل منه عدلاً أو صرفاً، فقد سمعت بنفسي كلاماً من أحد قادتهم يكفر الشيخين العالمين ابن باز وابن عثيمين - رحمهما الله رحمة واسعة - هذه هي للأسف أفكارهم.
* ما الذي يدفع الشباب السعودي إلى الذهاب إلى مناطق الصراع؟
- أعتقد أن الذي يدفع الشباب إلى مناطق الصراع يحتاج إلى موضوع كامل لأهميته وهي كثيرة منها الفتاوى، فقد انبرى من انبرى لإصدار الفتاوى والرخص التي ما أنزل الله بها من سلطان فجميعنا يعرف قول هيئة كبار العلماء في المملكة بعدم جواز الذهاب إلى العراق أو غيره من مناطق الصراع لخطورة هذا على من يذهب هناك وكان المنع لأسباب منطقية ومعقولة جداً. وأعتقد أنه يوجد بعض الأسباب منها ما هو سبب مباشر ومنها غيره وأذكر أمثلة على ذلك:
أولاً: المواقع والمنتديات على الإنترنت، فكثير من المواقع تبث سموماً على الإنترنت باسم الإسلام والإسلام منها براء فهي تنضح بالتكفير والغلو. أسأل الله أن يهدي ضالهم إلى الحق.
ثانياً: الكتب والأشرطة والأناشيد والأفلام وقد تطرقت إلى أنه يوجد من الأشرطة والكتب ما تقشعر الأبدان منه من هول ما يذكر فيها. وهي للأسف موجودة في المكتبات.
* ما الفائدة التي خرجت بها من هذه التجربة؟
- أنا قبل أن أذكر الفائدة التي استفدتها، أقول للشباب خصوصاً وللمسلمين عموماً أني أنا بنفسي عبرة ودرس وتجربة ليتعلموا من خطئي ولا يقعوا فيه وليحذروا من تسول له نفسه الذهاب إلى العراق أو غيره من مناطق الصراع. أما الفوائد التي خرجت بها فهي لا تعد ولا تحصى وأعتبر أن ما حصل لي هو «درس العمر» فهو ليس بالأمر الهين، فقد كادت أن تزهق نفسي على ضلال وترتبت جراء هذا الانفجار دماء أناس أبرياء الله أعلم إن كان علي شيء من هذه الدماء التي أُريقت والأنفس البريئة التي أزهقت. أسأل الله جلت قدرته بأن يجازيني على نيتي وحسبي هو على من تسبب فيه.
* كيف نحمي ونحصن شبابنا من إلقاء أرواحهم في مناطق الصراع؟
- أولاً: إبداء النصيحة لهم وما هو أصلح لهم وشرح الأسباب التي تحول دون جواز الذهاب إلى مناطق الصراع، فإذا كنا نعتقد أنهم في ذهابهم إلى مناطق الصراع هو إلقاء بأنفسهم إلى التهلكة، فنبين لهم لماذا؟ وأعتقد أننا مقصرون في ذلك. ثانياً: أعتقد أنه في جولة بسيطة على التسجيلات والمكتبات الإسلامية يجد المرء فيها ما يشعل الحماس في نفوس الشباب من الأناشيد المحرضة والكتب التي فيها كل محظور، فأعتقد أن إتاحة هذه المواد على الرفوف وفي المحلات هو إهمال، فأتمنى. وأتمنى من وزارة الثقافة والإعلام أن تعطي هذا الجانب قدراً من الاهتمام وأعتقد أن هذا مطلب لكثير من الغيورين وعلى من يعرفون الواقع ومن اكتووا بنار الإرهاب لأن كل هذا يهيج الشباب ويشعل نار الحرب في صدورهم.
* ما الذي تحتاجه الآن؟
- أنا الآن بأتم نعمة وعافية ولله الحمد، وأحب أن أختم بشيء مهم وهو ما وجدته من عناية ورعاية من وطني حيث قامت وزارة الداخلية بتوجيه من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية الذي كان بعد الله سبباً في عودتي إلى أرض الوطن ولكثيرين غيري من الشباب البدء بتقديم العلاج لإجراء العمليات الجراحية والتجهيلية لآثار الحروق التي أصبت بها جراء الانفجار.
ثم نقلت من المستشفى إلى السجن وبعدها نقلت من السجن لبرنامج الرعاية والذي مارست فيه السباحة والرياضة واستفدت من اللقاءات الشرعية والنفسية والاجتماعية من مختصين متميزين والتي ساعدت في توضيح الكثير من المفاهيم، وكانت توجد بعض الدورات التدريبية التي استفدت منها ما زلت أتذكرها فأشعر بسعادة حقيقية. من غير مجاملة استفدت كثيراً من برنامج الرعاية ومارست هواية الرسم في جو مليء بالمحبة والمودة والمنّة، أتمنى كل موقوف في السجون يستفيد من برنامج الرعاية التي تميزت به وزارة الداخلية فأشكر كل القائمين على البرنامج وبارك الله في جهودهم.
ويتحدث أحد ضحايا الاستدراج واسمه صالح بن حمدان عن قصة حدثت له مع الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- فيقول: أثناء حماسي سألت الشيخ ابن عثيمين عن الدولة السعودية، وهل هي كافرة؟ فغضب مني غضباً شديداً حتى احمر وجهه وقال: لا أعلم على وجه هذه الأرض دولة تقيم التوحيد والشريعة خير من هذه الدولة؛ ثم غادر المكان ولم يكمل الدرس، وارتبكت أنا أمامه؛ لأن غضبه كان عنيفاً لحظتها!!
ومن المراجعات السعودية الناجحة والتي تمت لأبرز قادة هذا الفكر الشرعيين ومنظريهم والتي ذكرتنا بنجاح التجربة المصرية لأبرز التيارات المعاصرة الجهادية والتي جُمعت في أكثر من مرجع ومن أبرزها مراجعات الشيخ سيد إمام، مفتي ومؤسس تنظيم الجهاد في مصر، عن الدكتور أيمن الظواهري في مراجعاته «التعرية لكتاب التبرئة) عن دور الظواهري في تدمير الدولة الإسلامية الناشئة (طالبان). ويقول (إن الظواهري عاش 30 عاماً يدعو لإقامة دولة إسلامية.. وعندما نشأت دولة إسلامية في أفغانستان دون دخل له في قيامها، كان له دور في تدميرها بعد 3 سنوات فقط من نشأتها. هكذا وفي هذه الحلقة يلخص أمام تاريخ الظواهري في أنه يدمر الجماعات ويبيعها للمخابرات، ويدمر الدول الإسلامية، ويهرب من مواجهة الأعداء، وينفق أموال التبرعات على نفسه، وتحريض أتباعه على دخول القبور والسجون ومقاتلة مصر وأمريكا). ولا غرابة في ذلك فزعيم تنظيم القاعدة السابق بن لادن الذي كان المحرض لخروج شبابنا على ولاة الأمر والدعوة إلى مناطق الصراع وبوادر التوتر بحجة الجهاد كان حريص على أبنائه في وصيته بعدم سلوك طريقه ولاهتمام بالتعليم، كما ذكر في وصيته. نعود ونقول إن التجربة السعودية حققت لإنجاح المطلوب ويشهد على ذلك أن الفكر المنحرف والإرهابي يمر الآن بمرحلة احتضار بعد تراجع الكثير من تابعيه ومنظريه ورجوعهم للحق والصواب ومن أبرزها تراجعات الشيخ علي بن خضير الخضير عندما قال: (لا شك هي على كل حال تجارب وأحب أن أنقل إلى الأخوة الآخرين هذه التجربة وهي أخطاء مارستها في القديم فاجتهدنا فيها ولكننا لم نوفق في الصواب فيها وكنت أتمنى أني ما فعلتها ولكن بقي في الوقت فسحة للتصحيح والمساهمة في هذا التصحيح وهو ما كنا إن شاء الله ننوي أن نفعل بإذن الله في نفع المسلمين وتصحيح في هذه الأمور في أذهان الشباب وفي أذهان الآخرين). وقال الخضير في مراجعاته الفكرية (أن التكفير أمره خطير لأنه يترتب عليها أمور عظيمة لأنك إذا كفرت المسلم معنى هذا انك أهدرت دمه ومعنى هذا أنك أبطلت نكاحه ومعنى هذا أنك قطعت الولاية بينه وبين أهله وأقاربه وميراثه وغير ذلك).
وقال الشيخ علي الخضير إنه يرفض ذهاب السعوديين للعراق بحجة الجهاد حيث قال: (لا.. لا أوافق لأن أصل القتال في العراق قتال فتنة يعني لا يدرون من القاتل ومن المقتول وما هدف القاتل وما ذنب المقتول، تحصل تفجيرات وقتال ولا يعرف من وراءه).
وأما الشيخ ناصر بن محمد الفهد فقد ذكر في مراجعاته الفكرية حيث قال: (تبين أن في هذه التجربة وأن هذا الاجتهاد خطأ وليس مطابقاً للصواب من كل وجه وأن الإنسان لا يقوم بشيء حتى ينظر ما فيه من الخير والشر أو يطلب النصح من المشايخ الفضلاء أو العلماء الكبار حتى لا يقع في مثل هذا، فكانت فترة سجني فترة محاسبة لمحاسبة النفس وأيضاً ما توالت من الأحداث التي داهمت المسلمين جعلت الإنسان يراجع نفسه ويحقق في أمره وحقيقة أمره ومبدأه وآخر فتبين في هذه التجربة أن هناك خطأ ولذلك نسأل الله العفو والعافية) وتعد تراجعات الشيخ أحمد بن فهد الخالدي الفكرية أكثر صراحة ووضوح ورسالة للأجيال القادمة أو لكل فكر منحرف وهوى يحمله صاحبه حيث يذكر بحرقة وندم واصفاً أعمال التفجير وسفك الدماء المعصومة حيث قال: (هذه التفجيرات ليست من الجهاد في سبيل الله بل من الفساد، كما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الخمر تشرب في آخر الزمان وتسمى بغير اسمها ومثل ذلك من يفجر في بلاد الإسلام ويقتل أطفالاً ويقتل المسلمين ويسميه جهاداً والحق أنه فساد فالأسماء لا تغني) داعياً الشيخ أن يكف عن الفتاوى التي تتعلق بالقضايا المهمة المصيرية وأمر العامة وأمر الدماء والأموال وأن تعاد إلى أصحاب المرجعية وهيئة كبار العلماء وأن هذا من فوائد التجارب التي مر بها لا سيما التضارب في الفتاوى والإقدام عليها بدون نظر ولا مراعاة للمصالح العامة للأمة لذلك أعتبر نفسي متراجعاً كثيراً من الفتاوى والأمور التي ذكرتها) ولعلي أختتم هذه المراجعات برسالة الشيخ الخضير لمن يحمل هذا الفكر أو يغذيه، يقول في مراجعاته الفكرية: (أنا أقولها الآن وأنقل تجربة للإخوة ويأخذونها من رجل جرب ومارس ورأينا الآن النتائج ننظر لها عياناً نتائج الحقيقة لا تسر أي مسلم قتل فيها أهل الإسلام وأضرت الإسلام وأهله وضيقت على المسلمين كثيراً في الأمور وحجبت مشاريع الخير، يعني أمور كثيرة ترتب على ما حصل حتى لو الإنسان ليس عنده علم شرعي تكفي هذه النتائج في معرفة الحكم) وقد توصلت من خلال هذه المراجعات إلى حقيقة مفادها أن الفهم الخاطئ للدين ومبادئه وأحكامه، وغياب الحوار المفتوح من قبل علماء الدين لكل الأفكار المتطرفة وعدم مناقشته المسائل العلمية والشبهات التي لديهم، قد مهد لظهور وتنامي الفكر المتشدد ثم أن سوء فهم شباب الإسلام لمعنى الجهاد وكيفية تطبيقه. جعل الجماعات المتطرفة تستغل هذاالجانب في تحقيق أهدافها ومصالحها. مما ساهم في وقوع شبابنا فريسة سهلة لاصطيادهم ونقلهم إلى مناطق الصراع الدولية بحجة الجهاد والشهادة والفوز بالحور العين. يقول سمو ولي العهد وزير الداخلية الأمير نايف في هذا الجانب: (أقول إنه من المؤلم لنا كسعوديين أن تجد السعوديين الذين يغرر بهم باسم الجهاد ويذهبون إلى العراق بالذات وقد أصبحوا أدوات تفجير. العمل الذي يقوم به أن يفجر نفسه في مكان عام أو يقود شاحنة أو سيارة يفجرها في مكان عام يموت بسببها أبرياء من رجال ونساء وأطفال، لا شك أن هذا يؤلمنا كثيراً ونحن والحمد لله في هذا الوطن مصممون بحزم على إعادة أبناء الوطن إلى الصواب محكمين في ذلك القضاء الذي هو شرع الله الذي نستمد منه التشريعات جميعها حتى يحكموا بما أمر الله به، ونرجو أن يعود هؤلاء إلى مجتمعهم أسوياء متخلين عن تلك الأفكار الدخيلة، وإلا كيف يرضى أن يقتل المواطن أخاه المواطن وأن يكون عبثه وتخريبه في بلده. ونحن نعرف أن هؤلاء غرر بهم وإن كان هناك من يدعم بالمال استجابة لفكر خاطئ وقد يكون هناك دعم أجنبي لإشغال العرب بالفتن وعدم الاستقرار). إذاً نحن في خطر ونواجه حرباً فكرية وعندما تتعرض أي أمة لأزمة أو خطر فإنها تتجه بشكل مباشر إلى التربية باعتبارها المدخل الأنسب للتغيير والتصحيح، فهي المعنية بتكوين المفاهيم والقيم والمثل العليا الصحيحة وتعزيزها في أذهان الناشئة وهي المسؤولة عن بناء الاتجاهات وضبط مسارها، لذلك لا بد من ضرورة مراجعة مناهج التعليم وتضمينها قيم الحوار والنقد والتعايش، وإقرار حقوق الآخرين، وتدريس أدب الاختلاف، والاستفادة من المثقفين والكتّاب بتقديم الأعمال التنويرية الحقيقية، وإعادة النظر في المراجعات الفكرية التي تمت مع رموز الفكر المنحرف ودراستها وتحليل محتواها وذلك من خلال دراسة الخلفية الدينية التي تشكل قواعد الفكر المتشدد الذي تعتنقه الجماعات المتطرفة، وشكل وعناصر الخطاب الديني المتشدد لهذه الجماعات وأساليب التجنيد الذي ينقل شبابنا إلى مناطق التوتر الدولية.
بقي أن نقف احتراماً وتقديراً لأصحاب هذه المراجعات الفكرية من أبنائنا والتي دفعهم الحرص على تقديم تجربتهم المريرة لعودة المغرر بهم إلى الطريق المستقيم الذي لا لبس فيه وانتشال من كان مؤهلاً لذلك مع دعوتي الجهات المختصة لنشر هذه المراجعات في الجامعات والمدارس وأماكن تجمعات الشباب ومساهمة وسائل الإعلام في نشرها حتى تتحقق الحصانة الفكرية لدى شبابنا وتكون سياجاً أمنياً فكرياً واقياً فالوقاية خير من العلاج والتجربة خير برهان.
د. محمد بن حمود الهدلاء
باحث في الشؤون الأمنيّة والقضايا الفكريّة ومكافحة الإرهاب