محمد عبيدالله ناصر الثبيتي
الجهود المبذولة من قبل المملكة العربية السعودية في حفظ الأمن والتصدي لظاهرة الإرهاب كانت محل إشادة المجتمع الدولي كيف لا وهي الدولة الوحيدة التي انتهجت منهجاً شمولياً للتصدي للإرهاب ، إذ اعتمدت إستراتيجية جمعت بين الحل الأمني والحل الفكري في مواجهة هذا الظاهرة الخطيرة التي تتعارض مع جميع القيم والمبادئ الإنسانية والشرائع السماوية .
أن هذا الأسلوب الفريد الذي جمع بين الجدية ، والحزم والصرامة في مواجهة العمليات الإرهابية من جهة ؛ ومن جهة أخرى بالعلاج الوقائي والتأهيل للتائبين العادلين عن فكرهم ، كان ثمرة هذا أن نَعُمت المملكة بالأمن والاستقرار ولله الحمد والمنة من قبل ومن بعد .
لكن مع كل هذه النتائج التي أبهرت الأسرة الدولية إلا أنني أرى إنه من الخطأ الاعتقاد بأن هذه الضربات الإستباقية والنجاحات التي حققها رجال أمننا البواسل ، أنها سوف تجلب لنا عهداً جديداً لا يمثل فيه تنظيم القاعدة أي تهديد.
فعلى الرغم من تعقب فلولهم وتوجيه الضربات الإستباقية لهم في الداخل ، و تدمير البنى التحتيَّة لمقر القاعدة في الخارج بعد الاحتلال الأمريكي لأفغانستان ، فضلا ًعما أصابها من مقتل زعيمها أسامة بن لادن ، إلا أن القاعدة كالرجل المريض الذي ينتظر أن يسترد عافيته ، فهيا لا تزال موجودة ، ولم تندملْ عملياتها، في ظل ما يعرف عن عمليات التنظيم العنكبوتية ، التي يصعب معها تحليل أو تقييم أو التنبؤ بشأن العمليات الجديدة التي يمكن أن يقومون بها في المستقبل .
أن عدونا اليوم انتهج تكتيكاً أكثر إبداعاً وأسرع انتشاراً وأبلغ أثراً وأقل تكلفة ، لما علم أن الإعلام الجديد تخطى كل الحواجز الجغرافية، وأسقط عامل الزمن من الحسابات، وجعل المعلومة في يد طالبها حال صدورها، بل فاق وسائل الإعلام التقليدية التي تتعامل مع الفرد كجهة مستقبلة فقط، إذ أصبح الفرد فيها أكثر تفاعلية ، لهذا جعلوها منها الوسيلة الأولى، لنشر أفكارهم، وبث شبههم، وتسويق أغراضهم وغاياتهم، بل تعدى الأمر إلى تعليم الطرق والوسائل التي تساعد على القيام بالعمليات الإرهابية ، و إنشاء مواقع لتعلم صناعة المتفجرات والتدريب والتجييش الإلكتروني ،والتلقين والتخطيط والتنسيق ،بل والسعي للحصول على التمويل على اعتبار أن هذه المواقع من أهم وسيلة تساعدهم على تحقيق واستكمال أهدافهم عن بعد .
لذا أرى أن الإعلام الجديد وهو قمة إنجازات القرن العشرين هو الناقل الرئيسي لهذا الفكر، و يؤكد خطورة هذا الأمر مدير موقع حملة السكينة بقوله (إنه لم يعد للمتطرفين اليوم وسيلة لتجنيد الشباب والتغرير بهم سوى الشبكة العنكبوتية ) وقال أيضاً ( إن الحرب المقبلة ضد الإرهاب هي حرب إليكترونية، موضحا أن السواد الأعظم من جيل الشباب المغرر بهم يجندون عبر المواقع الإليكترونية، ويمثلون 70 إلى 80 في المائة من المتورطين في أعمال تخريبية) .
ولا بد أن نعترف أن حصار البدن ذو أثر محدود ، فحينما تعتقل شخص موسوم بالتطرف فالحقيقة أنت اعتقلت بدنه ، وإلا أفكاره فهي رسل سرت تنشر دعوته عبر فضاء الإعلام الجديد ، ومن هنا أرى أن يستلزم العمل على حصار الفكر المتطرف تقنياً وعدم الاكتفاء بحصار الأبدان .
لهذا يتبادر إلى الذهن السؤال التالي : هل أسلوب حجب المواقع الإرهابية كفيل بوقائية النشء من خطر الإرهاب ؟
إن حجب المواقع الإرهابية عن المستخدمين لا يحقق الفاعلية المطلوبة في ظل ابتكار برامج «البروكسي» لكسر الحجب والتي أرى أنها ألغت فاعلية المدن التقنية التي تعمل على مراقبة وحجب المواقع المنحرفة .
يبقى الحل, كل الحل, كامنا في إنشاء " مركز للإعلام الجديد " ، لأن بلادنا تشهد تقدماً مطرداً و متسارع في اعتمادها على تكنولوجيا المعلومات، وهو الأمر الذي يستلزم مواجهة كفؤة متخصصة للحد من احتمالات نجاح التهديدات الإرهابية في هذا المجال.
لذى أرى في هذا المركز والذي أتمنى أن يسمى بمركز (الأمير محمد بن نايف للإعلام الجديد ) أرى فيه حلم أتمنى أن يتبناه سيدي ويحوله واقعاً ملموساً أراه ، لعله يسهم في اكتمال المنظومة الأمنية والفكرية التي أسهم بها الغيورون على وطننا الغالي في مواجهتهم لهذا الفكر الضال .