مشاري بن عبدالله النعيم
قبل أربعة أعوام كتبت في هذه الصحيفة عن فوز أوباما والحلم الامريكي وكيف أن المجتمع الأمريكي يمر بتحولات كبيرة، لأني لم أصدق في ذلك الوقت أن رئيسا أمريكيا أسود يمكن أن يكون على قمة أقوى وأهم دولة في العالم، فالرجل الأبيض العنصري لن يسمح له بذلك، لكن فاز أوباما وصدم العالم وأكد أن أمريكا دولة أكبر من "النظرة الضيقة" التي عادة ما ننظر بها نحن العرب للأمور، ومع ذلك فلا أكذبكم القول بأنه كان في نفسي شيء ورددت مرارا أن الأمريكيين لن يسمحوا لأوباما بفترة ثانية، فأنا مازلت أفكر كعربي يتوقف عند الجزئيات ويترك الكليات، وقلت إن الرجل الأبيض الأمريكي الذي يهيمن على مفاصل الدولة واقتصادها سوف يجعل من اوباما رئيسا فاشلا حتى يثبت للعالم أنه لا يصلح لإدارة أمريكا إلا البيض (الأنجلوسكسونيون)، ومرت الأربع سنوات التي رئس فيها الرجل الأسود الولايات المتحدة مليئة بالتحديات والصعوبات لكنه لم ييأس ولم يشعر بالفشل ولم يقف عند التحديات.
الرئيس الأمريكي لديه متسع من الوقت الآن لتحقيق حلمه الذي تحدث عنه قبل أربع سنوات وأعتقد شخصياً أن السنوات القادمة ستكون سنوات توازن واستقرار يحتاجها العالم أجمع في هذه المرحلة الحرجة
ربما كان يعرف (أوباما) في قرارة نفسه أنه يواجه "ثقافة" كاملة وتاريخية تأسست عليها الولايات المتحدة وأن فشله يعني فشل الأجيال القادمة في إثبات أن أمريكا بلد التعدد الثقافي والعرقي، لقد كان يحمي الحلم الأمريكي فعلا، وهذا يتطلب نفسا طويلا وتخطيطا دقيقا مبنيا على قراءة صحيحة للمجتمع الأمريكي، ولقد تابعت الانتخابات الأمريكية يوم الثلاثاء الفائت وحتى إعلان أوباما رئيسا لكنني حاولت أن أنام وقمت بإغلاق التلفزيون عندما رأيت رومني يتقدم على أوباما بعد صلاة الفجر مباشرة، والحقيقة أنني شعرت ببعض الحزن لاحتمالية فوز رومني وانتابني شعور بأن الاحلام الكبيرة يمكن أن تفشل، وصرت أفكر كعربي نفسه قصير وتعود على الاحباط فلم أحتمل الوصول إلى النهاية المحزنة فقررت أن أنام. لكنني صحوت عند السابعة صباحا وقد رأيت في المنام أن أوباما قد فاز، وأنا عادة لا أتذكر أحلامي ولا أعلم لماذا تذكرت هذه المرة، ربما لأني نمت وأنا وجل من خسارة الرجل الأسود، وفعلا فتحت التلفزيون (قناة سي أن أن) وأول ما شاهدته (أوباما 274 صوتا انتخابيا) والذي يعني فوزه بولاية ثانية فقد تجاوز 270 نقطة انتخابية.
الشعب الأمريكي أكد مرة أخرى أنه حريص على التغيير، وأنه عازم على المضي في بناء مجتمع "متحد" يعبر فعلا عن مسمى الولايات المتحدة الأمريكية، وأن أمريكا التي كانت 80% من الاصوات الانتخابية فيها قبل عدة سنوات للبيض تستعد لتحول جذري في تركيبتها السكانية، فبعد عدة سنوات سوف يقل عدد الناخبين البيض عن 50% (عام 2050م) وهذا تحول خطير بالنسبة لبعض البيض الذين يرون أن هذه الدولة يجب أن لا يحكمها الملونون. الشعب الأمريكي حذر ويفكر في المستقبل بجدية كبيرة ويستعد للمستقبل باتخاذ خطوات عملية حتى لا يتفاجأ. لقد حصل أوباما على تأييد 39% من الرجال البيض هذه المرة، وهذه نسبة مهمة وكبيرة وتؤكد على أن الرجل الأمريكي الأبيض مرن وقابل للتحول ولديه الاستعداد للتعامل مع التحولات بروح رياضية عالية.
كما أنني توقفت عند كلمة (مت رومني) بعد خسارته للانتخابات، فقد أكد أهمية توحد كل الامريكيين تحت القائد (الرئيس) ووصف نفسه وجميع من معه بالمواطنين الذين يجب أن يعملوا تحت القيادة التي اختارها الشعب الأمريكي. هذه الروح الرياضية العالية تعطينا درسا في معنى الديموقراطية الحقيقية، وأن الفوز والخسارة هي جزء من الحياة، وأن الشعوب لا ترقى ولا تتطور إلا عندما تمتلك هذه المرونة وهذه القدرة على تقبل الرأي الآخر. الروح الرياضية الايجابية التي تبني وتتحد مع الآخر في حالة الخسارة وتعمل معه على بناء الأمة هي ما نحتاجها هذه الايام في العالم العربي الذي يتبع ساسته شعار: إذا لم تكن معي فأنت ضدي. يجب أن نعترف أن كلمة (مت رومني) كانت مؤثرة جدا، ليس لأنه كان الخاسر في الانتخابات، بل لأنه أكد أن النظام الانتخابي في الولايات المتحدة، خلاق ومتجدد ويصنع التغيير ويسمح للمجتمع أن يصحح من أخطائه. في هذا النظام لا مجال للخطأ المستمر، لأنه لا يسمح أصلا بهذا.
يجب أن أنتقد السكون العربي هنا، الذي تعود على ثقافة الخوف من المجهول ومن التغيير، حتى ما يسمى الربيع العربي لم يأت إلا بمزيد من "الخوف" ومن قولبة الآخر ومن محاولة تحجيمه وتهميشه. لم يتعلم العرب من ثقافة العمل الأمريكية ابدا، فالسيدة (كلينتون) لم ترفض العمل مع الرئيس أوباما رغم أنها كانت تتنافس معه على تمثيل الحزب الديموقراطي في الترشيح للرئاسة. في اعتقادي أن المشكلة تكمن في وجود "بنية" ثقافية عربية تجعل من التنافس يصل إلى مرحلة "العداء"، وربما هذا يعود اصلا إلا أننا كعرب نتميز بثقافة التفتت وهذا أدى منذ وقت مبكر إلى سقوط الدولة العربية وتفتتها على زمن العباسيين. نحن بحاجة إلى قراءة الاحداث التاريخية مرة أخرى ويجب أن نتعلم فعلا من الانتخابات الامريكية الأخيرة التي تؤكد لنا كل مرة أن هناك "نواة" ثقافية جاذبة لكل الأمريكيين على كافة أطيافهم، تجعلهم يشعرون بالمواطنة وأنهم ينتمون إلى هذا البلد ولديهم الاستعداد للتضحية من أجله، هذه النواة مكونة من "الحرية والمقدرة على الاختيار والاحساس بالقيمة الفردية وسيادة القانون".
يجب أن نتعلم من (أوباما) كيف للقائد أن يختار الفريق المناسب، فقد اختار فريقا يمثل كل الأمريكيين وقرأ الواقع الامريكي بشكل عميق وركز على المرأة والملونين، فهو يعرف أن الرجل الأبيض ليس مستعدا بشكل كاف في هذه المرحلة لتقبله كي يقود البلاد، ولكن هذا لا يعني التوقف عن المحاولة. فريق العمل هو عنصر النجاح، وكل قائد لا يحسن اختيار من يعمل حوله ومن معه سيكون مصيره هو الفشل. الرئيس الأمريكي لديه متسع من الوقت الآن لتحقيق حلمه الذي تحدث عنه قبل أربع سنوات وأعتقد شخصياً أن السنوات القادمة ستكون سنوات توازن واستقرار يحتاجها العالم أجمع في هذه المرحلة الحرجة.