نجيب عصام يماني
كنت أظنه يوما جميلا خاليا من المنغصات التي اعتدناها في شوارعنا منذ الصباح الباكر وحتى تودع الشمس مدينتنا، بعد إجازة طويلة مملة وبداية يوم دراسي ووظيفي جديد. كنت أعتقد أن الكارثة التي وشحت عاصمتنا بالسواد عندما انفجرت شاحنة في أحد شوارعها مستبيحة كل الأنظمة النائمة دون أن يعي السائق المنقولة كفالته حديثا ما حدث. هذه الحادثة التي لم يطوها النسيان كالعادة بل مازالت ماثلة في الأذهان لم نتعلم منها شيئا. كنت اعتقدت أنها سوف تستفز إدارات المرور والدفاع المدني والمسؤولين ومن تولى الأمانة وحملها وقبض أجرا عليها في الوقوف بحزم وعزم لمنع مرور السيارات الكبيرة والشاحنات في شوارع جدة مع دوام المدارس والموظفين وخروج الأطفال مع السائقين والخدم ولم يغادر النوم أجفانهم بعد إجازة طويلة لا مبرر لها. تنفلت شاحنات تحمل بين كفراتها الموت والدمار عليها سائقون شداد غلاظ يندفعون من الشوارع الجانبية مسرعين معتمدين على حجم سياراتهم وخوف الآخرين منهم. كانت سيارات شفط المجاري ووايتات المياه المحلاة وشاحنات تحمل الحديد وخلاطات الاسمنت تتهادى في شوارعنا تزاحمنا وتضايق السائقين الخائفين منها. رحت أبحث عن رجل مرور على امتداد الطريق وعند الإشارات فلم أجد أحدا أشكو له ما رأيت وعانيت.
لا توجد دولة في العالم إلا ولهذه الشاحنات أوقات معلومة تدخل فيها إلى المدن وتسير بسرعة محددة وتلزم المسار الأبعد، وفق اشتراطات سلامة محددة ماعدا شاحناتنا لا تغطي صناديقها لتمنع تطاير الزلط والبطحة على من خلفها وخلاطات الاسمنت تنظف مكائنها على طول الشوارع وعرضها ووايتات الصرف الصحي ترش علينا من مسكها ووايتات المياه المحلاة تنثر علينا رذاذها. معاناة يومية طاحنة، لا نعرف للتنظيم محلا، نصر على الخروج دفعة واحدة وفي وقت واحد. الموظفون مع العمال والطلاب وأصحاب المصالح الكل يطحن معا في هذه الشوارع مع أصحاب الشاحنات والمعدات. بعد هذه الكارثة ضحية الإهمال والتسيب نسأل الله لضحاياها الرحمة والمغفرة وأن يخفف على ذويهم هذا المصاب الأليم. يقول مدير شركة الغاز المهندس الشبنان عن عزم شركته تركيب أجهزة الكترونية مربوطة بالشركة لمتابعة ناقلاتها وسرعتها وخطوط سيرهم .. السؤال: لماذا الآن؟، أبعد هذه الكارثة صحت الشركة ومسؤولوها من سباتهم العميق ليقول لنا إن شركته تعتزم ولم يحدد تاريخا معينا لهذا الاعتزام، لماذا لم تعتزم من زمان وقبل أن تزهق هذه الأرواح، أين اشتراطات السلامة؟ أين الدفاع المدني؟ أين المرور؟. وكأني بهذه الحادثة وقد أيقظت المسؤولين فيقول الشبنان الحياة (18109) إن الشركة تعمل الآن على إجراء فحوصات المخدرات المفاجئة للسائقين، وأرامكو السعودية سوف تستبدل ناقلاتها القديمة بأخرى متطورة عكاظ (16870). تصاريح انفعالية وليدة اللحظة والدفاع المدني يصرح، 30 ألف ريال غرامة للمتساهلين في نقل أنابيب الغاز، ونحن نراها ــ وكلمة تساهل قليلة عليها ــ عارية تسير في شوارعنا دون أن يحاسبها أحد. سبحان الله كله الآن!. شحذت الهمم ووضعت الخطط رغم أن نقل الغاز داخل الصهاريج أو الأنابيب مسموح به في كل الأوقات حتى في ساعة الذروة. اللهم إني أسألك في هذه اللحظة أن تتوب على شوارعنا من صهاريج شفط المياه الآسنة وعوضنا بدلا منها مجاري حتى نصبح مثل غيرنا، كما أسألك أن تعوضنا بشبكة مياه محلاة تصل إلى بيوتنا فلا نحتاج إلى وايتات المياه وتحكمها فينا والوقوف تحت ظل الأشياب حتى تحرقنا الشمس.. كما أسألك يا الله أن تلهم شركة الغاز رشدها فيتم تمديد الغاز إلى بيوتنا عن طريق شبكة مضمونة فلا نرى في شوارعنا صهاريج غاز ولا أنابيب صدئة مهترئة قابلة للانفجار تحت شمسنا المحرقة تحملها سيارات مكشوفة تنطق بالإهمال لا تحمل أي اشتراطات للسلامة. كما توسعنا في إقامة محطات بنزين داخل الأحياء وبين المساكن دون أي اشتراطات للسلامة اللهم إلا خرقة حمراء يعلقها عامل المحطة. لابد أن تعيد الجهات المسؤولة حساباتها في حال شوارعنا المستباحة لكل من قل حياؤه وكثرت أخطاؤه. لابد من وقفة حازمة تحرم دخول الشاحنات بأنواعها ساعة الذروة أسوة بغيرنا من الدول البعيدة والقريبة مع تكثيف كاميرات ساهر وإنزال أقصى العقوبات لكل مستهتر بأرواح الآخرين وممتلكاتهم وأن نعيد النظر في مقدرات السائقين المتقدمين وأن ننمي الإحساس بالمسؤولية وأن نعظم قيمة الإنسان ونرفعه مكانا عليا، قضت علينا الحوادث المرورية وحققنا أرقاما قياسية في الإهمال والتسيب والاستهتار بأرواح الآخرين وحوادث الطريق ولنأخذ الدروس من حادثة الرياض وليكون العقاب على قدر الخطأ.