عبد الله العلمي
الآن وقد فاز الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالانتخابات الأمريكية وبدأ ولايته الثانية بهمة ونشاط، قد يكون من المفيد أن نطرح قضايانا على طاولة الرئاسة في البيت الأبيض لتحديد هوية العلاقات السعودية - الأمريكية في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية.
مرحلة التوتر التي مرت بها العلاقات السعودية - الأمريكية بعد أحداث أيلول (سبتمبر) 2001 أصبحت شيئاً من الماضي، رغم أن البعض في مجلسي الشيوخ أو الكونجرس قد يسعى لتأجيج هذه الذكرى بدعوى تورط الحكومة السعودية في هذه الأحداث. أتوقع أن ''ينشط'' أي عضو في أي من هذين المجلسين مطالباً بضرورة ''إعادة تقييم العلاقات مع الرياض''.
ليس من المستبعد أن يبادر أحد السياسيين الأمريكيين لسبب أو لآخر بإثارة مشروع قرار مثل ذلك الذي قدمه السيناتور أرلن سبكتر أو مشروع السيناتور أنتوني وينير أو من مجموعة الحرس القديم مثل سوزان كولنز وليندساي جراهام وشوك شومر وورون وايدن للنيل من العلاقات بين البلدين. الهدف واحد، هو اتهام السعودية بأنها تمول المنظمات الإرهابية في تكرار ممجوج لأكاذيب اللوبي الصهيوني بأن السعودية تحض على معاداة اليهود والسامية. كما أنه ليس من المستبعد أن يظهر على الملأ كتاب جديد مثل كتاب ''نهاية الشر'' الذي ألف أحداثه الوهمية السياسي المخضرم ريتشارد بيرل.
علينا أن نتوقع أنه في حال تحسن العلاقات السعودية - الأمريكية، قد ينفث أحد أعضاء الكونجرس نواياه لإشعال فتيل مشروع ''قانون محاسبة السعودية''. ليس من المستبعد أن تظهر نسخة جديدة من عضو الكونجرس بوب جراهام الذي اتهم الحكومة السعودية أخيرا بأنها ربما تكون لعبت دورا ''مباشرا'' في أحداث 11 أيلول (سبتمبر)، كما أنه ليس من المستبعد أن يظهر سيناتور سابق مثل بوب كيري ليشكك في مصداقية المؤسسات السعودية وعلاقتها بإشعال أعمال إرهابية في الولايات المتحدة.
لا أستبعد أن تتفتق عبقرية أحد النواب لحمل لواء حرب إعلامية جديدة على السعودية مثل تلك التي اشتهر بها النائبان براد شيرمان وإد رويس. كذلك لا أستبعد أن يصل الخيال الهوليودي بأحد أعضاء مجلس الشيوخ لفبركة مسلسل طويل وممل، كما فعل السيناتور إيفان بايه والسيناتور جيمس ريش عندما حثا الرئيس باراك أوباما أخيرا على الضغط على الدول العربية لتقديم المزيد من التنازلات والمبادرات ''السلمية'' لإنهاء المقاطعة العربية للكيان الصهيوني.
لكن المياه ليست كلها ملوثة، فقد زار بيت التجار في جدة في آخر أيلول (سبتمبر) 2012 وفد مكون من كبار موظفي ومساعدي ومستشاري الكونجرس الأمريكي. لم يكن هدف الزيارة سياسياً فقط، ولا سيما أن المملكة تعتبر الشريك الأول في الشرق الأوسط للولايات المتحدة، إذ يتجاوز حجم التبادل التجاري بينهما 55 مليار دولار. لا أريد أن أدخل في متاهات اقتصادية هنا وبحث موضوع أثار ربط الريال بالدولار، لكني متأكد أن البيت الأبيض يعلم تماماً أهمية هذا الربط، بل يعمل على ألا يشوبه أي خلل على الأقل طالما أن النفط يتداول بالدولار.
كذلك تستضيف غرفة الشرقية غداً السبت وفد الغرفة التجارية العربية الأمريكية المشتركة الذي يترأسه عمدة هيوستن أنيس باركر، حيث يلتقي الوفد رجال الأعمال في المنطقة الشرقية. أعتقد أن هذه الاجتماعات مهمة جدا، ولا سيما أن الشركات الأمريكية المشاركة في الاجتماعات متخصصة في مجالات الطاقة، والطيران، والقانون، والخدمات الصحية والتعليمية، والخدمات الفندقية، والمالية.
الآن وقد حافظ الديمقراطيون على سيطرتهم على مجلس الشيوخ، قد يكون من المفيد أن نطور أدوات الضغط التي نملكها للتأثير في صانع القرار في الولايات المتحدة. هذا ما تفعله إسرائيل، وهكذا استطاعت التوغل في عمق السياسة الخارجية للبيت الأبيض لتحقيق أهدافها في المنطقة وحول العالم. أقترح أن نوطد العلاقة مع ممثلي الولايات الرئيسة، لأن أصوات هذه الولايات تؤثر في صنع القرار.
قد يكون من المفيد أيضاً أن نستثمر علاقاتنا مع الحزب الجمهوري الذي يهيمن تقريباً على مجلس النواب في الكونجرس الأمريكي. وقد يكون من المفيد أن نستفيد من الانقسام الجديد داخل الكونجرس عوضاً عن أن نكيل لهم التهم تلو الأخرى من دون اتخاذ أي قرار فاعل لكسبهم في صفوفنا. المعادلة ليست سهلة، لكن بإمكاننا العمل على تفكيك واحتواء أجزاء منها إذا حاولنا. أعضاء مجلس النواب عددهم 435 عضوا وأعضاء مجلس الشيوخ 100 والمعلومات عنهم وعن توجهاتهم متوافرة للاستفادة من تأثيرهم في صانع القرار.
يهم كل من السعودية والولايات المتحدة أن تزداد فرص زيادة التعاون السياسي والتجاري والاستثماري بين البلدين. قد لا نتفق مع السياسة الخارجية للولايات المتحدة، لكن الأجدى أن نفهم طريقة صياغة هذه السياسات للاستفادة من إيجابياتها وتغيير سلبياتها إن استطعنا عوضاً عن أن يكون إنجازنا الأكبر هو كيل السب والشتم والدعاء عليها في ظل عالم جديد مستيقظ ومتغير.