حينما نقرأ إبداعات الأدباء ونغشى ملتقيات المثقفين وتصافح أعيننا تعليقات المغردين ونستمع للمسؤولين ونتابع المتحاورين نجدنا نشعر بضيق في التنفس؛ لأنهم يكرسون في وجداننا أننا في أزمة، بل نحن الأزمة ذاتها، وكأن قدرنا أن نكون كذلك. فنصبح ونمسي على عبارات (أزمة الثقافة، أزمة المصطلح، أزمة التحديث، أزمة الاقتصاد، أزمة السكن، أزمة البطالة، أزمة البنى التحتية، وهلم جرا)، والسؤال المهم: هل كل هذه الأزمات رجع لأنين وصرخة لمعاناة وألم لشكوى حقيقة؟ ثم هل هي أزمات متخيلة فرضها طموحنا الذي يسبق واقعنا أم أننا نتوسل بخلقها إمطارنا حلا؟ والأسئلة الأهم: هل عرفنا من نحن كيما نشخص أزمتنا ونحدد معاناتنا؟ ألم نكن مجرد كلمة في تاريخ البشر وقتادة في معالم أشجار الحضارة المعاصرة وصخرة صلدة في جغرافيا الأمم؟ هل نلتمس من الأزمات حينما نقدمها لأجيالنا ونكرسها في ثقافتنا قبسا من الحياة السوية ينعش ما همد من حضورنا وينير ما أظلم من أمجادنا ويحيل صحراءنا المصوحة حقولا ناضرة ومدنا عامرة تشدو بالتفاؤل والحب والعمل والأداء والرواء؟ للأسف الشديد كل الذين يتحدثون عن (الأزمة) هم من الأيفاع الخلصاء الذين لا يمكن أن نزايد على رغبتهم في المشاركة في عملية الإقلاع الحضاري، وقطعا هم لا يريدون من تكريس مفردة (الأزمة) خلق أزمة أخرى أو تكريس ثقافة مأزومة، هم قطعا يريدون التشخيص والتحذير من تيار التخدير الذي يدعو صباح مساء (الله لا يغيّر علينا) لكن هذا المقصد لا يبيح لهم الإغراق في التأزيم. إذ لا بد أن يعرفوا أن العزف على هذه المفردة المثبطة لن يعيننا في حياتنا بل سيخلق منا اضطرابا يحيد بنا عن التأمل، فتغشانا حالة من التبرم والقلق وتصبح أفكارنا كطرائد البؤساء وصرعى الإحباطات وحينها تكون الجريرة أننا قتلنا لدينا الطموح وذهلنا عن الغاية المنشودة، فلا نشاط إلى سعي ولا سير على مبدأ، ولا قراءة تأملية واعية دون ارتجاف. إن (ثقافة الأزمة) خلقت لنا (أزمة ثقافة) فتشكل لدينا قاموس لمفردات السخط الحاقد والنقد اللاذع والتعريض الممض والزراية الساخرة على كل منبر ومن كل لسان وفي أي موقع ووسط أي شريحة مجتمعية. نعم أقر أن (ثقافة الأزمة) لم تخلق من عدم وإنما كرستها سنوات من المعاناة والترنح، وأوجدتها ظروف التجاذبات وضبابية الرؤية المستقبلية وغياب التخطيط، فجاءت كمآل طبعي لمجتمع طموح وحركة متوقعة لبيئة بدأت تهتز وتربو لتنبت من كل زوج بهيج. ومع ذلك فلا بد أن نبدأ اليوم واليوم فقط نمسح من مآقينا دموع الخنساء ونميط عن قلوبنا تشاؤم أبي العلاء، فنتصافح بالأيدي ونتخاطب بالألسن لأن بين (ثقافة الأزمة) و(أزمة الثقافة) مجتمعا يرنو للرقي وأمة تروم العزة وأثرا يرغب الخلود، وجيلا يتوثب للأمام بطموح لا يرغب الالتفات للمنظرين وحراق البخور ولا إشغال نفسه بنظريات المتفلسفين والمتثيقفين فهؤلاء فقط يحسنون التولول والنواح نهارا والارتخاء والمزاح ليلا لكنهم لا يحسنون القبض على أعنة التقدم وركب الحضارة. وألقاكم
عبدالله عويقل السلمي
نقلآ عن جريدة عكاظ