لأن تطورنا أعرج أو منبعج، فإن كثيراً من التخصصات لا تزال مهملة، لم تحظَ بالقدر الأدنى من الاهتمام الذي تستحقه والذي تجده في مجتمعات تتطور بتوازن، دون عرج أو إنبعاج.
الخدمة الاجتماعية، مجال يكاد يكون مهملاً تماماً رغم أهميته وحيويته، فهو موجود غائب، موجود كاجتهادات فردية، موجود كلوحة على أبواب أقسامه، لكنه غائب ضمن قائمة الأولويات وغائب ضمن جدول الأهمية، حاضر في مواقع محدودة ومعدوم التواجد في حوادث هي بأمس الحاجة إليه.
مجال الخدمة الاجتماعية في حاجة ماسة إلى مخرجات متخصصة في حاجة إلى الاعتراف به كتخصص هام وكمهنة لا يمارسها إلا متخصص أو متخصصة من ذوي التأهيل والتعليم المستمر والخبرة الطويلة والصحة النفسية والإبداع والقدرات ونحن نتعامل معه على أساس أنه ملاذ من لم يجد وظيفة ومقر من يريد أن يستقر دون تطور، فنوظف فيه أي خريج!!.
الخدمة الاجتماعية لدينا تقوم بجزء من الدور المطلوب في المستشفيات والجمعيات الخيرية وبعض مؤسسات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ولكنه دور محدود لا يرقى لأهمية هذا المجال وخاصة في هذا الوقت بالذات حيث تزداد حاجة الافراد لمن يقف بجانبهم اجتماعياً ونفسياً في وقت ازداد فيه انشغال الناس وابتعادهم عن أقاربهم وجيرانهم وكلما زاد هذا التباعد، زادت الحاجة إلى الأخصائية والأخصائي الاجتماعي المؤهل، المحب لمهنته، القادر على القيام بأعبائها وتحمل مشقتها.
الخدمة الاجتماعية ليست مجرد الإقناع بقبول غرفة مشتركة في مستشفى أو دراسة حالة اجتماعية لأسرة لمعرفة استحقاقها للضمان الاجتماعي أو التنسيق لتوفير جهاز لمريض أو إقناعه بعدم الحاجة لمرافق. إن هذه الخدمات جزء من مسؤوليات أعظم وأوسع وأكثر أهمية ومع ذلك نهمل الأهم ونركز على الجزء.
أين الخدمة الاجتماعية في حالات الحوادث، حيث الأقارب في أمس الحاجة إلى من يقف معهم ويواسيهم ويطمئنهم؟! أين الخدمة الإجتماعية في حالات الكوارث، عندما تكون عدد من الأسر قد فقدت عزيزاً ولا أقول عائلاً، لأن علاج الفقر ليس المجال الوحيد للخدمات الاجتماعية كما هو الحال لدينا فقد تتأثر أسرة غنية وتنهار نفسياً وتفشل اجتماعياً بسبب غياب دور المتخصص الاجتماعي مع توفر النقود.
خلال وبعد حادث 11سبتمبر مثلاً قارب عدد الأخصائيين والأخصائيات الاجتماعيين عدد رجال المطافي وهذا من شأنه التقليل من النتائج السيئة التي تلي الحادث نفسه ورواسبه الاجتماعية التي قد تستمر طويلاً وتتفاقم. بينما شهدنا عدداً من الحوادث الجماعية وحوادث الفقدان وخاصة بسبب السيول وحوادث السيارات ووفياتها الجماعية ولم يشهد أي منها تواجداً للمتخصص الاجتماعي، لعدة أسباب أهمها عدم إدراج هذه الخدمة ضمن خدمات الطوارئ ومباشرة الحوادث.
أرجو أن لا يخرج علينا مدافع أو مدافعة مدعياً أن الأخصائي الاجتماعي يتواجد في غرفة الطوارئ لأن الواقع أنهم لا يناوبون ليلاً وغرف الطوارئ تشهد من حالات الانهيار العصبي العديد من المآسي التي يتحملها رجال الشرطة غير المدربين أو المتخصصين!!.
الخدمة الاجتماعية ليست طبقاً خيرياً أو سوقاً خيرياً فهذا المجال يحتاج إلى إعادة هيكلة تعتمد على شمولية مجالاته وتزايد الحاجة إليه، فنحن في أمس الحاجة لتواجد هذا المتخصص عند كل حادث وبعد كل جريمة وفي داخل كل منزل أدمن أحد أفراده على المخدرات أو ضرب الزوجة أو إساءة معاملة الأطفال أو إدمان المسكر وفي كل منزل فقد غالياً أو أهمل مسناً، فعلاج الأسباب والنتائج أهم من العلاج الوقتي للمشكلة.
كما أن هذه الخدمة في حاجة للدعم المالي السخي وتيسير الموارد مع وضع رقابة ومراجعة مالية دقيقة للمصروفات فمن الملاحظ إسراف بعض الإدارات في حفلات لا علاقة لها بمشكلة أو جزء من حل في وقت يحول فيه شح الموارد عن قيام القسم بواجباته ولعل فصل الشؤون الاجتماعية عن العمل يبدو ضرورياً للحفاظ على مجتمع صحيح، ودون إعطاء هذا المجال الحيوي حقه علينا أن لا نتساءل عن أسباب زيادة حالات الانتحار، فقلة الوازع الديني سبب رئيسي وإذا صاحبه غياب الناصح المتخصص المدرب أصبح الخطر أكبر.
محمد بن سليمان الاحيدب