سلمان الدوسري
في أقل من 48 ساعة صحت ونامت السعودية على كارثتين خلفتا 50 قتيلاً، وإذا كانت بعض الكوارث قضاءً وقدراً وليس للإنسان إلا التخفيف والحذر منها قدر الإمكان، ككارثة إعصار ساندي بعد أن خلّف حتى الآن 88 قتيلاً في أمريكا وحدها، فإن كارثتي حريق الزواج في بقيق وانفجار شاحنة الغاز في الرياض، هما من صُنع الإنسان لا الطبيعة، هو مَن تسبّب فيها وهو مَن كان خلف ضحاياها الخمسين، وهو أيضاً من كان يمكن له أن يمنع حدوث هذه الكوارث لو ألزم بتطبيق القوانين، وهو ما لا يحدث في بلادي، فالقوانين تُقرّ ويعرفها الجميع، أما تطبيقها فهو مسألة اختيارية وليست إلزامية.
في كارثة الرياض، الآلاف من هذه الشاحنات تجوب الشوارع وكأنها قنابل موقوتة، تمضي تحت رعاية رسمية حتى وهي تزاحم السيارات الصغيرة وتسابقها، وإلا كيف يسمح لشاحنة تحمل 17 طن من غاز البترول المسال بالسير وكأنها شاحنة خضراوات أو فواكه، دون أدنى احتياطات أمنية تصاحبها وترسم لها خط سيرها، تجاوز من تشاء، وتعرقل السير كما تشاء؟ اكتفى الجهاز المروري بـ ''ساهر'' ليقوم بمهمته، دون وضع حد لمخالفات مرورية خطيرة جداً، إلى أن غدت هذه المخالفات جزءا أصيلا من ثقافة المجتمع، ألا يوجد لدينا نظام مروري يخالف 70 في المائة من سلوكيات القيادة في شوارعنا؟ أكيد لدينا .. لكن أين التطبيق؟
أما في مأساة زواج بقيق، التي تسبّب فيها إطلاق نار احتفاءً بالزفاف! فالقانون الصريح يمنع هذه الممارسات، لكن طالما لا توجد أصلاً آلية لهذا المنع، فلا غرابة في استمرار عادات (الفرح) بإطلاق النار إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، ويومياً تقام حفلات زواج هنا وهناك، ويصاحبها بالطبع إطلاق نار دون أي اعتبار للقوانين، أما إجراءات السلامة القاصرة في مكان حفل الزواج، فلم تتغير كثيراً عن تلك التي فجعنا بها قبل 15 عاماً تقريباً في حادث حريق زواج آخر في قرية القديح، حينها جرى حديث طويل عن اشتراطات السلامة في حفلات الأعراس التي تقام في المنازل، لنكتشف بعد عقد ونصف أننا أمام المعضلة نفسها. مرة أخرى لدينا اشتراطات سلامة .. لكن أيضاً أين التطبيق؟
مع الأسف، لن تكون مفاجأة لأحد، لو فجعنا غداً بحريق آخر لحفل زواج للأسباب نفسها، والحال ذاته لو انقلبت شاحنة غاز داخل حي سكني وانفجرت من جديد، فكل أدوات حدوث هذه الكوارث حاضرة وبقوة، ولا يمنعها إلا لطف الواحد الأحد. سهل جداً أن تقر أفضل القوانين في العالم، صعب جداً أن تطبق هذه القوانين، ومن دون رغبة وقدرة على التطبيق، ستكون كل قوانيننا حبراً على ورق، وستتوالى الكوارث واحدة تلو الأخرى، إلا إذا كنا سنستمر في التعويل على دعاء الصالحين منا بأن يحفظ الله بلدنا، فهل تظنون أن هذه – وحدها - تكفي؟