راغور أم راجان
إنه لأمر مدهش، كيف استحوذ تعبير ''الواحد في المائة'' ــ المقصود به الإشارة إلى نسبة ''الواحد في المائة'' من السكان الأعلى دخلا ــ على المناقشات في الولايات المتحدة وأماكن أخرى من العالم المتقدم؟ في الولايات المتحدة تشمل هذه النسبة كل أسرة كان دخلها في عام 2006 لا يقل عن 386 ألف دولار. وفي السرد الشعبي تشمل هذه النسبة أباطرة الشركات من عديمي الضمير، والمصرفيين الجشعين، ومديري صناديق التحوط المتاجرين من الداخل. وبقراءة بعض خبراء الاقتصاد التقدميين، فقد يبدو الأمر وكأن الحل لكل المشاكل الحالية التي تعانيها أمريكا يتلخص في فرض ضريبة على المنتمين إلى شريحة ''الواحد في المائة'' وإعادة توزيع عائداتها على الجميع غيرهم.
ويؤسس لهذا السرد بطبيعة الحال رأي مفاده أن هذا الدخل غير مشروع ولم يصبح ممكناً إلا بفضل التخفيضات الضريبية في عهد بوش، ونظام حوكمة الشركات المعطل، والنظام المالي العامر بتضارب المصالح. أي أن المنتمين إلى شريحة ''الواحد في المائة'' لم يكسبوا أموالهم من خلال بذل الجهد والقيام بعمل حقيقي، ولا ضرر إذن من استرداد هذه الأموال منهم.
ولكن الحقيقة الأكثر أهمية التي يتجاهلها هذا السرد المختزل هي أن زيادة التفاوت في الدخول لا تنحصر في الشريحة الأعلى فحسب، ولو أنها أكثر وضوحاً هناك. حيث تشير الدراسات الأكاديمية إلى أن أعلى 10 في المائة من توزيع الدخل في الولايات المتحدة، وأماكن أخرى من العالم، تتحرك بعيداً عن المتوسط على نحو متزايد. وهي حقيقة مزعجة للغاية في نظر أهل الاقتصاد التقدميين. وعلى هذا فإن شعار ''نحن الـ 90 في المائة'' قد يبدو أقل درامية من ''نحن الـ 99 في المائة''. وحتى في نظر بعض المحتجين، قد لا يكون الشعار الأول صادقاً تماما.
ولكن ربما كان الأمر الأكثر تعقيداً هو أن شيئاً آخر غير السياسات المحابية لحكم الأثرياء هو المسؤول إلى حد كبير عن تنامي فجوة التفاوت وعدم المساواة. ويتلخص هذا الأمر في التعليم والمهارات. صحيح أنه ليس كل شهادة تعليمية تُعَد جواز سفر لوظيفة أكيدة. والدليل على ذلك أن حاملي الشهادات الجدد، وخاصة الشهادات الأقل جودة، يجدون صعوبة كبيرة في الحصول على وظيفة في أيامنا هذه، لأنهم يتنافسون مع عمال من ذوي الخبرة وهم أيضاً بلا عمل. ورغم ذلك فإن معدل البطالة بين هؤلاء الذين يحملون شهادات يشكل ثلث معدل البطالة بين هؤلاء الذين لا يحملون شهادة الدراسة الثانوية.
ومن خلال الفحص الدقيق فسوف يتبين لنا أن الفارق الأكبر الأوحد بين هؤلاء المنتمين إلى نسبة 10 في المائة الأعلى فيما يتصل بتوزيع الدخل وأولئك الذين ينتمون إلى الشريحة الأدنى من المتوسط هو أن أبناء الفئة الأولى يحملون شهادة أو اثنتين في حين لا يحمل أبناء الفئة الأخيرة شهادة عادة. فبسبب التغير التكنولوجي والمنافسة العالمية أصبح من المستحيل بالنسبة للعمال الأمريكيين الحصول على وظائف جيدة من دون التمتع بمهارات قوية. وعلى حد تعبير كلوديا جولدن ولاري كاتز من جامعة هارفارد، فإن التعليم يأتي متأخراً في السباق بين التكنولوجيا والتعليم.
ولكن الإقرار بأن نظام التعليم وبناء المهارات المتعطل مسؤول عن قدر كبير من التفاوت المتنامي الذي يعانيه الأشخاص العاديون، من شأنه أن ينتقص من الأجندة الشعوبية الأوسع الرامية إلى حشد الجماهير ضد أصحاب الثراء الفاحش.
والواقع أن الولايات المتحدة جربت الحلول السريعة من قبل. فتزايد التفاوت في الدخل بسرعة على مدى العقد الماضي، ولكن التفاوت في الاستهلاك لم يزد بالسرعة نفسها. والسبب: سهولة الحصول على الائتمان، وخاصة قروض الرهن العقاري الثانوي التي ساعدت هؤلاء الذين لا يملكون الوسيلة الكفيلة بتمكينهم من اللحاق بأقرانهم. ولم تكن النهاية سعيدة، كما يعلم الجميع. فقد أصبح أبناء الفئات الأقل حظاً في حال أسوأ في نهاية المطاف بعد أن فقدوا وظائفهم ومساكنهم.
لا شيء من هذا قد يكون سهلاً أو من المحتمل أن يسفر عن نتائج سريعة، بل قد يتطلب بعض هذه الحلول توفير المزيد من الموارد. وفي حين قد ينجح القضاء على الإنفاق غير الفعّال، وخاصة الإعانات الضريبية غير الفعّالة، في توليد بعض هذه الموارد، فإن الأمر قد يتطلب أيضاً تحصيل المزيد من العائدات الضريبية. لا شك أن الأثرياء بوسعهم أن يتحملوا سداد المزيد من الضرائب، ولكن إذا زادت الحكومات من الضرائب المفروضة على الأثرياء، فلا بد أن تفعل هذا بهدف تحسين الفرص للجميع، وليس كإجراء عقابي لتصحيح ظلم متوهم.
خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2012.