د.صلاح بن فهد الشلهوب
الصكوك الإسلامية اليوم أخذت الأضواء في قطاع التمويل الإسلامي، فالحديث عنها في كثير من المناسبات أصبح الأكثر اهتماما اليوم حتى من المصرفية الإسلامية نفسها، حيث إنها حققت نموا كبيرا على مستوى الإصدارات، وذلك دعم بشكل واضح حجم النمو المتسارع للتمويل الإسلامي، ففي التقرير الذي أصدره مركز الأبحاث في بيت التمويل الكويتي أكد هذا التقرير الزيادة الكبيرة في حجم إصدارات الصكوك مقارنة بالعام الماضي، حيث بلغ حجم الإصدارات إلى تشرين الأول (أكتوبر) الماضي ما يقارب 112 مليار دولار، وذلك مقارنة بما يزيد على 70 مليار دولار بقليل بنهاية شهر تشرين الأول (أكتوبر) لعام 2011، بل إن حجم الإصدارات خلال الأشهر العشرة الماضية يفوق حجم إصدارات العام الماضي بكامله الذي بلغ تقريبا 85 مليار دولار، ويتوقع الخبراء أن تصل الإصدارات بنهاية العام ما يقارب 130 مليار دولار.
وتشير بعض التقارير إلى الزيادة الملحوظة في إصدارات الصكوك في المملكة، خصوصا بعد السماح بتداول الصكوك في السوق المالية. وغالب الصكوك تعتمد صيغا مشتقة من عقود مثل المرابحة والإجارة والمشاركة والاستصناع وغيرها، والصكوك الإسلامية تتميز بانخفاض حجم المخاطرة فيها، إضافة إلى ما يتميز به التمويل الإسلامي من الاعتماد على الأصول في تمويله، بدلا من الديون.
هذا النمو الكبير للصكوك جعل منها محل اهتمام المؤسسات المالية عالميا ومحليا، حيث تستحوذ منطقة الخليج على نسبة عالية منها، إضافة إلى دول شرق آسيا خصوصا ماليزيا التي يزدهر فيها التمويل الإسلامية، كما أن لأوروبا وأمريكا الشمالية نسبة لا بأس بها من حجم إصدارات الصكوك، بل أصبح يتم إصدارها بعملات مختلفة.
هذا النمو للصكوك تحفزه مجموعة من العوامل: منها النمو الكبير الذي يشهده التمويل الإسلامي، والسيولة الكبيرة التي تتدفق على هذا القطاع، خصوصا أن الأسواق المالية العالمية، خصوصا قطاع التمويل يشهد شحا في السيولة، وتباطؤا في الاقتصاد في مناطق أوروبا وغيرها من مناطق العالم. إضافة إلى التحولات السياسية في الشرق الأوسط، حيث إن الحكومات الجديدة تحتاج إلى دعم اقتصادي، ووفرة في السيولة والصكوك بما أنها بديل يعتبر متوافقا مع الشريعة، فإن تحصيل السيولة من خلاله قد يكون الأيسر في مجتمعات غالبيتها مسلمة. يضاف إلى ذلك التوسع في قطاع التأمين الإسلامي أو ما يسمى التكافل الذي تُستثمر أمواله غالبا في أدوات منخفضة المخاطر، لذلك فإنها قد تجد أن الصكوك أحد أفضل الخيارات لاستثمارات هذه الصناديق.
هذا النمو الكبير في الصكوك الإسلامية قد لا يتوقف عند هذا الحد، فما زالت الفرص موجودة للزيادة في النمو، إذ إن حجم التمويل الإسلامي ما زال صغيرا مقارنة بالتقليدي، والصكوك محدودة عالميا مقارنة بالسندات، كما أن زيادة الثقة بها قد يحفز قطاعات جديدة، ومنها القطاع الحكومي لاعتماد الصكوك كأداة في تمويل مشاريع البنية التحتية، وقد تكون مستقبلا أداة لإدارة السيولة في الأسواق، بحيث تؤدي وظائف السندات، لكن بصورة متوافقة مع الشريعة.
هذا النمو الكبير للصكوك والنشاط الملحوظ لا نجد أثره على عموم المستثمرين الأفراد، حيث يتضح للمتابع أن الإقبال عليها ضعيف مقارنة بالمصارف والمؤسسات المالية والصناديق الاستثمارية، والمتابع لسوق الصكوك في السوق المالية المحلية يجد أن تداول الصكوك محدود جدا مقارنة بالأسهم مثلا التي تشهد تداولا يوميا بالمليارات، وإن كانت المقارنة غير متوازنة إلا أن المتابع يجد أن الأيام تمر في السوق دون وجود لأي تداول لهذه الصكوك وكأنها ليست مدرجة في السوق المالية، ولا يشعر بها أي متداول في السوق، وقد يكون لذلك مجموعة من الأسباب منها: قضية الخلاف بين العلماء في جواز صور من الصكوك وإمكانية وجود صيغ متوافقة مع الشريعة، ولم تأخذ هذه الإصدارات نصيبا كافيا من بعض طلبة العلم في عرض ما هو جائز وما يشوبه خلاف منها، كما يحصل دائما في الأسهم التي يقسمها بعض طلبة العلم إلى نقية ومختلف فيها ومحرمة، كما أن التداول الضعيف لها لا يحفز الأفراد على الاستثمار فيها, خصوصا عندما يكون هناك من يبحث عن أدوات سهلة التسييل عند الاحتياج، يضاف إلى ذلك أن أسعار الوحدة الواحدة من الصكوك عالية مقارنة بالأسهم، كما أن حجم الوعي بالصكوك لدى الأفراد قد يكون متدنيا، وهذا يتطلب أن تكون هناك دراسة لقياس مستوى الوعي بهذه الأدوات لدى الأفراد، إذ إنها قد تكون أداة تخدم فئة من المجتمع ترغب في الاستثمار في أدوات منخفضة المخاطر، تحفض لهم مدخراتهم، خصوصا بعد التقلبات التي حصلت لسوق الأسهم خلال الأعوام الماضية.
الخلاصة أن سوق الصكوك تنمو بشكل متسارع وتتطلع السوق إلى زيادة في الإصدارات مستقبلا بوجود مجموعة من الحوافز لهذا القطاع، ومن المهم في هذه المرحلة أن يكون للعلماء وطلبة العلم جهود في وضع الإطار الشرعي المناسب لهذه الأدوات، والعمل على تعريف المستثمرين الأفراد بهذه الأدوات التي تصنف على أنها منخفضة المخاطر.